امرأة مطلقة.. لقب جارح، تدفع ثمنه فادحا انسانة فشلت في التواصل مع شريكها، يمر ليلها طويلا رتيبا في انتظار بلا هدف.. يبدو نهارها شاحبا خاليا من الفرحة ومتعة اللقاء. كل شيء في حياتها يُحال الى النقيض، كل شيء اصبح مثل دخان خانق لا مفر منه. تجلس وحدها تجتر ذكريات مضت مع شخص وظروف صدرتها الى المجتمع مرة اخرى بوصفها «امرأة فاشلة في اقامة حياة مشتركة»، سواء اكانت هي الجاني ام المجني عليها، ففي اغلب الاحوال هي المتهم الاول في فشل العلاقة.. خرجت من حياتها السابقة بعد ان لملمت جراحها، واحلامها المفقودة، ورغباتها المكبوتة، لينتظرها مستقبل غامض كما يتربص بها المجتمع بنظرات الاتهام والتجنب تارة والشفقة تارة اخرى، وبعد ان كانت سيدة منزلها تتحول عبئا على اسرتها، خصوصا اذا كانت تصطحب اطفالا، او بلا وظيفة تمنحها قدرا من الاهمية.
مشكلات عدة تواجهها المطلقة بعدما توقفت بها سفينة الحياة في منتصف الطريق، اهمها انخفاض فرصتها في الارتباط برجل اخر، وكأنه حُتم عليها الوقوف هناك، في ركن منزوٍ عن الحياة الاجتماعية، تكفّر بقية حياتها عن ذنب شاركت او لم تشارك في اقترافه.
ستة أشهر فقط!
أصابتني الدهشة والذهول حين عرفت حكاية شاب ربطته قصة حب عميقة بفتاة، بذل كل ما في وسعه للارتباط بها، حتى انه اصيب بأزمة قلبية دخل على اثرها المستشفى بعد ان فشلت كل محاولاته مع اسرتها لعقد قرانه عليها، ونجح اهلها في الضغط عليها وتزويجها من رجل غيره، لكن هذا الزواج سرعان ما اسفر عن الفشل، وطُلقت الفتاة بعد ستة اشهر تقريبا، وبعد ان اصبحت حرة، رفض الشاب هذه المرة الزواج منها لا لشيء إلا لأنها اصبحت تحمل لقب «مطلقة»، وحين سألته: ما الذنب الذي اقترفته تلك الفتاة لترفض الارتباط بها بعد طلاقها وانت تحبها بهذا العمق؟ فقال: لا ذنب لها لكنها لم تعد عذراء، ومن الصعب علي انا ألمس جسدا يحمل ذكريات رجل غيري! أين ذهب الحب والغرام والمحاولات المستميتة للحصول على هذه الفتاة؟! أَبعدَ ستة اشهر فقط يفقد الانسان فاعليته وسحره وتأثيره؟! أهو حب للانسانة ام لجسدها بشرط حق الاستعمال الاول؟!
ان الجسد هو محور الازمة هنا، لان المجتمع يختزل المرأة في جسد عليها ان تحتفظ به دائما «على الزيرو»، لتقدمه الى رجل يكون هو المالك الاول والمستخدم الوحيد له، ومازالت الفتاة، خصوصا في المجتمعات العربية تحرص على ان تؤكد للرجل في كل مناسبة انه الرجل الاول في حياتها، بالطبع هي تقصد انه الرجل الاول الذي له شرف «الافتتاح»، بغض النظر ان كان ذلك صحيحا ام لا! من هنا اخترع الطب باًباً خلفيا لاستعادة عذرية الجسد التي فُقدت لاي سبب، حتى تذهب للزوج المنتظر وعلى جسدها «ختم الجودة». فهل العذرية هي «الاستيكر» ذلك الغشاء الرقيق الذي من الممكن ان يسقط لاي سبب اخر غير الزواج او الانحراف؟! أليس من الممكن ان تمارس المرأة كل اشكال الفجور من دون ان يسقط هذا الغشاء؟! ام ان الرجل على مر العصور قصد ان يختزل العذرية في منطقة معينة من جسد المرأة حتى يهرب هو من المازق، اذ انه ليس لديه ما يفقده؟!
أحلاها مُر
لقد فرض المجتمع على المرأة المطلقة شروطا قاسية عليها ان تخضع لها حتى تستطيع البقاء، فخياراتها في الحياة محدودة:
الاختيار الاول: ان تظل حبيسة الوحدة، تعيش حياتها بعيدا عن دفء المشاعر والعواطف، تخوض وحدها الحياة سواء في مواجهة احتياجاتها الشخصية او تربية اولادها، من دون انسان يساندها ويؤنس وحدتها، او يد تربت على كتفها، او جسد يحتضنها، او لقاء حميمي يقيها برودة لا نهائية، فاذا شعرت بالاحتياج العاطفي او الجنسي فعليها ان تتحلى بالصبر وتتجاهل احتياجها وتتسامى برغباتها، وان لم تستطع يكون مصيرها المرض النفسي، او تذهب هي ورغبتها الى الجحيم!
اضافة الى تحمل نظرة المجتمع المريبة لها، فهي دائما تحت المجهر، سلوكها جاهز للتفسير على المحمل السيئ، لانها اصبحت بلا رقيب او حسيب، ولم تعد في عصمة رجل يحميها ويقوّم سلوكها، وفقدت عذريتها التي كان المجتمع يكتشف بها انحرافها.. ولان الزواج في مجتمعاتنا العربية يروج له باعتباره «سترا» لا باعتباره تكاملا في الحياة وشراكة ومسؤولية، لذا فان عدم الزواج «فضيحة»، على المطلقة دائما الدفاع عنها وتقديم الدلائل والبراهين على انها مازالت شريفة ومحترمة، وان تخضع تماما لمعايير المجتمع والاسرة، حتى وان كانت مجحفة وظالمة، والا فلن تُرحم من السهام الجارحة.
الاختيار الثاني: تكرار تجربة الزواج استجابة لحقها شرعا وقانونا، وبحثا عن اشباع مشروع لحاجاتها العاطفية والجنسية وكسر الوحدة المؤلمة. فمن حق المطلقة ان تتزوج، ونظريا لديها فرصة مساوية للفتاة العذراء طالما هي مستوفية للشروط الاخلاقية والتعليمية والاجتماعية المطلوبة من ق.بل الرجل.. لكن الواقع يثبت عكس ذلك، فالمطلقة تواجه حظا عاثرا في الزواج مرة اخرى، خصوصا كزوجة اولى لرجل او شاب لم يسبق له الزواج، فتضطر غالبا الى القبول بالزواج من عجوز او ارمل او مطلق لديه اولاد او تكون زوجة ثانية او رابعة تحت شعار «ظل رجل ولا ظل حيطة» وحتى تعف نفسها عن الحرام، او تتخلص من وصمة «المطلقة»، او تهرب من الضغوط المجتمعية والاسرية عليها اذا ارادت ان تعيش بمفردها. غالبا ما تتنازل المرأة في زواجها للمرة الثانية عن اشياء ما كانت لتتنازل عنها لو كانت في وضع مختلف، وقد تسير الحياة معها متناغمة ويعوضها القدر عن معاناة سابقة، او تقف مرة اخرى على مفترق طرق.
الاختيار الثالث: تلجـأ اليه بعض المطلقات اللاتي لا يقدرن على الوحدة وآلامها، خصوصا بعد ان تعودن الحياة مع رجل، وفي الوقت نفسه يرفضن الزواج بشروط غير مُرضية لهن، او يمتنعن عن اعادة تجربة كانت مريرة لهن، او ربما لم تواتهن الفرصة اصلا لزواج اخر، فيفضلن بدائل مشوهة وحلولا منقوصة تمارس غالبا في الظل، تحقق لهن اشباعا مؤقتا لكنه يجعلهن دائما على حافة الخطر والنبذ الاجتماعي والديني اذا اكتشف امرهن. البعض يلجأ الى استئجار شقة منفصلة تمارس فيها المطلقة رغباتها في علاقة متحررة من اي قيد لتفريغ شهوة مكبوتة وغريزة اذا استعرت لا تعرف القيود او التقاليد ولا تخضع لاي مرجعيات. او تمارس الجنس البديل مثل الاستمناء او الجنسية المثلية او الجنس الشفوي في الهاتف او على الانترنت كبدائل تعتبرها آمنة نسبيا.
كلها حلول مبتسرة بدرجات متفاوتة، تمت تحت ضغط الاحتياج النفسي والبيولوجي والاجتماعي من دون اختيار حقيقي يضمن درجة عادلة من الامن والراحة والتحقق، ويعتمد على قدرة المطلقة على الرفض من دون دفع فواتير اجتماعية ونفسية باهظة.
سلاح فعال
ما الدافع النفسي الذي يجعل الرجل رافضا للزواج من المرأة المطلقة؟ او يعتبرها غير مرغوب فيها او غير مفضلة اذا قورنت بالفتاة العذراء؟! ان عقد الزواج، في نظر معظم الرجال، هو صك ملكية للمرأة وحجر كلي عليها، وقيد تظل داخله الى احد الاجلين، الطلاق او الموت، واستطاع الرجل ان يطوع لمصلحته كثيرا من الافكار الدينية او الاجتماعية حتى يضمن لنفسه بقاء اقوى في صراعه مع شريكته.
ويعد الجسد ابرز العناصر التي استخدمها الرجل كسلاح فعال للسيطرة على المرأة، فاصبح مألوفا ان يتردد على ألسنة النساء والرجال ان المرأة م.لك لزوجها، ويقصدون بذلك الملكية الجسدية،من دون وعي بالتفريق بين كون الزواج معاهدة حرة ومسؤولية تجاه الشريك والتزام اخلاقي بعدم الخيانة ومنها الخيانة الجسدية، وكونه امتلاكا يعكس علاقة دونية تحول المرأة الى متاع يباع ويُشترى تحت مسميات كثيرة.
من هنا يشعر الرجل بالجرح النرجسي اذا عرف ان زوجته كانت لها تجارب سابقة على الزواج، وتحديدا تجارب جنسية، رغم انه لم يكن يعرفها في ذلك الوقت، لكن الامر يتعلق بعشق الرجل لذاته وتمسكه باسطورة سيطرته على المرأة، فاذا ضاعت منه عذرية جسدها وهي الشيء الوحيد الملموس والمنظور، فماذا سيتبقى له منها؟! هل سيظهر في الليلة الاولى من الزواج ليباهي بقية الرجال بفكرها وثقافتها ووعيها العميق وتعليمها الراقي او حسبها ونسبها العريق؟! اضافة الى ان زواجه من المطلقة يُشعره بانه في منافسة مستمرة مع رجل اخر، حتى وان لم يعد موجودا بالفعل، إلا ان وجوده الرمزي يهدد كيانه النفسي لانه يعتبره سلب منه شيئا كان يتمنى ان يمتلكه وحده من دون شريك. ان الامر لديه يعود الى موروث جمعي ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومرتبط بقدسية فض غشاء البكارة، وحق الرجل في الليلة الاولى الذي انتشر في العصور الوسطى، وهو مازال معمولا به في كثير من مجتمعاتنا العربية كدليل قوي على فحولة الرجل وقوته وهيبته بين الاهل والاصدقاء، وليعلن للجميع انه امتلك هذا الجسد وترك عليه بصمته الخاصة التي لا تزول بزوال العلاقة نفسها، حتى ان طلقها او توفي عنها سيورثها لغيره «امرأة منقوصة» او «نصف امرأة».
إعادة صياغة
ان وصمة الطلاق تبدو كأنها عقاب جماعي للمرأة على ذنب لم تقترفه، ومن الملفت للنظر ان المرأة نفسها هي من تمارس هذا القهر النفسي على المطلقة، اوليست اغلب الامهات هن من يعارضن في زواج ابنائهن من المطلقة؟! أوليست الام هي من تربي الرجل على التعفف عمن سبق لها الزواج وربما الخطبة احيانا؟! لا احد يقف ليتأمل بموضوعية موقف الرجل المطلق ايضا، فبالمنطق نفسه هو ايضا خاض تجربة زواج سابقة واستهلك جسديا ونفسيا مع امرأة اخرى وربما مع نساء كثيرات خارج الزواج، ام ان جسد الرجل صالح للاستعمال دائما بينما جسد المرأة تنتهي صلاحيته بعد اول استخدام؟! ان الوضع الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المطلقة غير منطقي، لذا من المهم مراجعة النفس بصدق ووعي يسهمان مستقبلا في رفع هذه المعاناة عن طرف واحد، هو المرأة، تتأثر بشدة وتتضرر على كل المستويات، وبالتالي قد تلجأ الى سلوك سلبي تكون نتائجه وخيمة فيما بعد. يأتي ذلك من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية التي تسهم في رفع الوعي لدى الفتيات والشباب بان الانسان لا يعيبه ابدا ان يخوض تجربة ويفشل فيها، لكن ربما يعيبه اسباب الفشل ان كانت تنم عن قصور او عدم اكتراث بالحياة الزوجية او سلوك سيىء او عدوانية تجاه الشريك. لذا فمن المهم ان نتعلم كيف نقيم سلوك الشخص وليس الشخص نفسه ورفضه واخراجه من دائرة القبول الاجتماعي والنفسي، وبالتالي معاملته كانسان درجة ثانية يفقد معظم حقوقه لمجرد فشله في تجربة ما.
ان الطلاق فشل مرير وخسارة عميقة من جوانب عدة، حتى وان تم بالاختيار، لذا لا يحتاج الى تبعات اكثر تعقيدا، بالعكس تحتاج المطلقة الى المساندة والدعم ومساعدتها على الخروج من ازمتها، وتجاوز الاثار الجانبية للطلاق قدر المستطاع والاندماج في المجتمع مرة اخرى سواء مع رجل اخر ام وحدها. وان تهتم وسائل الاعلام والدراما والمحاضرات والندوات المتخصصة على «فلترة» الوعي وتنقيته من افكار كثيرة مغلوطة ساعد على نموها تفكير جماعي قاصر وادانة مستمرة للمرأة ومحاولة فرض وصاية كاملة عليها، فالنظرة المشوهة للمطلقة دليل على فكر مشوه من الرجل والمجتمع باكمله.
حتى وان كانت المرأة مخطئة في حق نفسها واسرتها وليست قادرة على مواصلة الحياة، مما ادى بها الى الطلاق وهدم اسرة واطفال، علينا ان نكون موضوعيين ونحتكم الى فكر بناء يجعلنا نتعاطف معها ونعيد تأهيلها مرة اخرى وصياغة حياتها بطريقة تؤثر ايجابيا عليها وعلى المحيطين بها، لانها منذ البداية لم تكن نبت شيطاني فاسد، انما هي نتاج اسرة ومدرسة ومجتمع لم يقم بدوره على وجه صحيح ومتكامل.. من هنا الشعور بالمسؤولية مهم بدلا من القائها على شخص واحد، فالمجتمع الذي يوصم كل من يشذ من افراده ويعاملهم بطريقة فوقية، هو اشبه بجسد يفقد اعضاءه بالتدريج حتى يصبح كلاهما اشلاء مشوهة.
ستة أشهر فقط!
أصابتني الدهشة والذهول حين عرفت حكاية شاب ربطته قصة حب عميقة بفتاة، بذل كل ما في وسعه للارتباط بها، حتى انه اصيب بأزمة قلبية دخل على اثرها المستشفى بعد ان فشلت كل محاولاته مع اسرتها لعقد قرانه عليها، ونجح اهلها في الضغط عليها وتزويجها من رجل غيره، لكن هذا الزواج سرعان ما اسفر عن الفشل، وطُلقت الفتاة بعد ستة اشهر تقريبا، وبعد ان اصبحت حرة، رفض الشاب هذه المرة الزواج منها لا لشيء إلا لأنها اصبحت تحمل لقب «مطلقة»، وحين سألته: ما الذنب الذي اقترفته تلك الفتاة لترفض الارتباط بها بعد طلاقها وانت تحبها بهذا العمق؟ فقال: لا ذنب لها لكنها لم تعد عذراء، ومن الصعب علي انا ألمس جسدا يحمل ذكريات رجل غيري! أين ذهب الحب والغرام والمحاولات المستميتة للحصول على هذه الفتاة؟! أَبعدَ ستة اشهر فقط يفقد الانسان فاعليته وسحره وتأثيره؟! أهو حب للانسانة ام لجسدها بشرط حق الاستعمال الاول؟!
ان الجسد هو محور الازمة هنا، لان المجتمع يختزل المرأة في جسد عليها ان تحتفظ به دائما «على الزيرو»، لتقدمه الى رجل يكون هو المالك الاول والمستخدم الوحيد له، ومازالت الفتاة، خصوصا في المجتمعات العربية تحرص على ان تؤكد للرجل في كل مناسبة انه الرجل الاول في حياتها، بالطبع هي تقصد انه الرجل الاول الذي له شرف «الافتتاح»، بغض النظر ان كان ذلك صحيحا ام لا! من هنا اخترع الطب باًباً خلفيا لاستعادة عذرية الجسد التي فُقدت لاي سبب، حتى تذهب للزوج المنتظر وعلى جسدها «ختم الجودة». فهل العذرية هي «الاستيكر» ذلك الغشاء الرقيق الذي من الممكن ان يسقط لاي سبب اخر غير الزواج او الانحراف؟! أليس من الممكن ان تمارس المرأة كل اشكال الفجور من دون ان يسقط هذا الغشاء؟! ام ان الرجل على مر العصور قصد ان يختزل العذرية في منطقة معينة من جسد المرأة حتى يهرب هو من المازق، اذ انه ليس لديه ما يفقده؟!
أحلاها مُر
لقد فرض المجتمع على المرأة المطلقة شروطا قاسية عليها ان تخضع لها حتى تستطيع البقاء، فخياراتها في الحياة محدودة:
الاختيار الاول: ان تظل حبيسة الوحدة، تعيش حياتها بعيدا عن دفء المشاعر والعواطف، تخوض وحدها الحياة سواء في مواجهة احتياجاتها الشخصية او تربية اولادها، من دون انسان يساندها ويؤنس وحدتها، او يد تربت على كتفها، او جسد يحتضنها، او لقاء حميمي يقيها برودة لا نهائية، فاذا شعرت بالاحتياج العاطفي او الجنسي فعليها ان تتحلى بالصبر وتتجاهل احتياجها وتتسامى برغباتها، وان لم تستطع يكون مصيرها المرض النفسي، او تذهب هي ورغبتها الى الجحيم!
اضافة الى تحمل نظرة المجتمع المريبة لها، فهي دائما تحت المجهر، سلوكها جاهز للتفسير على المحمل السيئ، لانها اصبحت بلا رقيب او حسيب، ولم تعد في عصمة رجل يحميها ويقوّم سلوكها، وفقدت عذريتها التي كان المجتمع يكتشف بها انحرافها.. ولان الزواج في مجتمعاتنا العربية يروج له باعتباره «سترا» لا باعتباره تكاملا في الحياة وشراكة ومسؤولية، لذا فان عدم الزواج «فضيحة»، على المطلقة دائما الدفاع عنها وتقديم الدلائل والبراهين على انها مازالت شريفة ومحترمة، وان تخضع تماما لمعايير المجتمع والاسرة، حتى وان كانت مجحفة وظالمة، والا فلن تُرحم من السهام الجارحة.
الاختيار الثاني: تكرار تجربة الزواج استجابة لحقها شرعا وقانونا، وبحثا عن اشباع مشروع لحاجاتها العاطفية والجنسية وكسر الوحدة المؤلمة. فمن حق المطلقة ان تتزوج، ونظريا لديها فرصة مساوية للفتاة العذراء طالما هي مستوفية للشروط الاخلاقية والتعليمية والاجتماعية المطلوبة من ق.بل الرجل.. لكن الواقع يثبت عكس ذلك، فالمطلقة تواجه حظا عاثرا في الزواج مرة اخرى، خصوصا كزوجة اولى لرجل او شاب لم يسبق له الزواج، فتضطر غالبا الى القبول بالزواج من عجوز او ارمل او مطلق لديه اولاد او تكون زوجة ثانية او رابعة تحت شعار «ظل رجل ولا ظل حيطة» وحتى تعف نفسها عن الحرام، او تتخلص من وصمة «المطلقة»، او تهرب من الضغوط المجتمعية والاسرية عليها اذا ارادت ان تعيش بمفردها. غالبا ما تتنازل المرأة في زواجها للمرة الثانية عن اشياء ما كانت لتتنازل عنها لو كانت في وضع مختلف، وقد تسير الحياة معها متناغمة ويعوضها القدر عن معاناة سابقة، او تقف مرة اخرى على مفترق طرق.
الاختيار الثالث: تلجـأ اليه بعض المطلقات اللاتي لا يقدرن على الوحدة وآلامها، خصوصا بعد ان تعودن الحياة مع رجل، وفي الوقت نفسه يرفضن الزواج بشروط غير مُرضية لهن، او يمتنعن عن اعادة تجربة كانت مريرة لهن، او ربما لم تواتهن الفرصة اصلا لزواج اخر، فيفضلن بدائل مشوهة وحلولا منقوصة تمارس غالبا في الظل، تحقق لهن اشباعا مؤقتا لكنه يجعلهن دائما على حافة الخطر والنبذ الاجتماعي والديني اذا اكتشف امرهن. البعض يلجأ الى استئجار شقة منفصلة تمارس فيها المطلقة رغباتها في علاقة متحررة من اي قيد لتفريغ شهوة مكبوتة وغريزة اذا استعرت لا تعرف القيود او التقاليد ولا تخضع لاي مرجعيات. او تمارس الجنس البديل مثل الاستمناء او الجنسية المثلية او الجنس الشفوي في الهاتف او على الانترنت كبدائل تعتبرها آمنة نسبيا.
كلها حلول مبتسرة بدرجات متفاوتة، تمت تحت ضغط الاحتياج النفسي والبيولوجي والاجتماعي من دون اختيار حقيقي يضمن درجة عادلة من الامن والراحة والتحقق، ويعتمد على قدرة المطلقة على الرفض من دون دفع فواتير اجتماعية ونفسية باهظة.
سلاح فعال
ما الدافع النفسي الذي يجعل الرجل رافضا للزواج من المرأة المطلقة؟ او يعتبرها غير مرغوب فيها او غير مفضلة اذا قورنت بالفتاة العذراء؟! ان عقد الزواج، في نظر معظم الرجال، هو صك ملكية للمرأة وحجر كلي عليها، وقيد تظل داخله الى احد الاجلين، الطلاق او الموت، واستطاع الرجل ان يطوع لمصلحته كثيرا من الافكار الدينية او الاجتماعية حتى يضمن لنفسه بقاء اقوى في صراعه مع شريكته.
ويعد الجسد ابرز العناصر التي استخدمها الرجل كسلاح فعال للسيطرة على المرأة، فاصبح مألوفا ان يتردد على ألسنة النساء والرجال ان المرأة م.لك لزوجها، ويقصدون بذلك الملكية الجسدية،من دون وعي بالتفريق بين كون الزواج معاهدة حرة ومسؤولية تجاه الشريك والتزام اخلاقي بعدم الخيانة ومنها الخيانة الجسدية، وكونه امتلاكا يعكس علاقة دونية تحول المرأة الى متاع يباع ويُشترى تحت مسميات كثيرة.
من هنا يشعر الرجل بالجرح النرجسي اذا عرف ان زوجته كانت لها تجارب سابقة على الزواج، وتحديدا تجارب جنسية، رغم انه لم يكن يعرفها في ذلك الوقت، لكن الامر يتعلق بعشق الرجل لذاته وتمسكه باسطورة سيطرته على المرأة، فاذا ضاعت منه عذرية جسدها وهي الشيء الوحيد الملموس والمنظور، فماذا سيتبقى له منها؟! هل سيظهر في الليلة الاولى من الزواج ليباهي بقية الرجال بفكرها وثقافتها ووعيها العميق وتعليمها الراقي او حسبها ونسبها العريق؟! اضافة الى ان زواجه من المطلقة يُشعره بانه في منافسة مستمرة مع رجل اخر، حتى وان لم يعد موجودا بالفعل، إلا ان وجوده الرمزي يهدد كيانه النفسي لانه يعتبره سلب منه شيئا كان يتمنى ان يمتلكه وحده من دون شريك. ان الامر لديه يعود الى موروث جمعي ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومرتبط بقدسية فض غشاء البكارة، وحق الرجل في الليلة الاولى الذي انتشر في العصور الوسطى، وهو مازال معمولا به في كثير من مجتمعاتنا العربية كدليل قوي على فحولة الرجل وقوته وهيبته بين الاهل والاصدقاء، وليعلن للجميع انه امتلك هذا الجسد وترك عليه بصمته الخاصة التي لا تزول بزوال العلاقة نفسها، حتى ان طلقها او توفي عنها سيورثها لغيره «امرأة منقوصة» او «نصف امرأة».
إعادة صياغة
ان وصمة الطلاق تبدو كأنها عقاب جماعي للمرأة على ذنب لم تقترفه، ومن الملفت للنظر ان المرأة نفسها هي من تمارس هذا القهر النفسي على المطلقة، اوليست اغلب الامهات هن من يعارضن في زواج ابنائهن من المطلقة؟! أوليست الام هي من تربي الرجل على التعفف عمن سبق لها الزواج وربما الخطبة احيانا؟! لا احد يقف ليتأمل بموضوعية موقف الرجل المطلق ايضا، فبالمنطق نفسه هو ايضا خاض تجربة زواج سابقة واستهلك جسديا ونفسيا مع امرأة اخرى وربما مع نساء كثيرات خارج الزواج، ام ان جسد الرجل صالح للاستعمال دائما بينما جسد المرأة تنتهي صلاحيته بعد اول استخدام؟! ان الوضع الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المطلقة غير منطقي، لذا من المهم مراجعة النفس بصدق ووعي يسهمان مستقبلا في رفع هذه المعاناة عن طرف واحد، هو المرأة، تتأثر بشدة وتتضرر على كل المستويات، وبالتالي قد تلجأ الى سلوك سلبي تكون نتائجه وخيمة فيما بعد. يأتي ذلك من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية التي تسهم في رفع الوعي لدى الفتيات والشباب بان الانسان لا يعيبه ابدا ان يخوض تجربة ويفشل فيها، لكن ربما يعيبه اسباب الفشل ان كانت تنم عن قصور او عدم اكتراث بالحياة الزوجية او سلوك سيىء او عدوانية تجاه الشريك. لذا فمن المهم ان نتعلم كيف نقيم سلوك الشخص وليس الشخص نفسه ورفضه واخراجه من دائرة القبول الاجتماعي والنفسي، وبالتالي معاملته كانسان درجة ثانية يفقد معظم حقوقه لمجرد فشله في تجربة ما.
ان الطلاق فشل مرير وخسارة عميقة من جوانب عدة، حتى وان تم بالاختيار، لذا لا يحتاج الى تبعات اكثر تعقيدا، بالعكس تحتاج المطلقة الى المساندة والدعم ومساعدتها على الخروج من ازمتها، وتجاوز الاثار الجانبية للطلاق قدر المستطاع والاندماج في المجتمع مرة اخرى سواء مع رجل اخر ام وحدها. وان تهتم وسائل الاعلام والدراما والمحاضرات والندوات المتخصصة على «فلترة» الوعي وتنقيته من افكار كثيرة مغلوطة ساعد على نموها تفكير جماعي قاصر وادانة مستمرة للمرأة ومحاولة فرض وصاية كاملة عليها، فالنظرة المشوهة للمطلقة دليل على فكر مشوه من الرجل والمجتمع باكمله.
حتى وان كانت المرأة مخطئة في حق نفسها واسرتها وليست قادرة على مواصلة الحياة، مما ادى بها الى الطلاق وهدم اسرة واطفال، علينا ان نكون موضوعيين ونحتكم الى فكر بناء يجعلنا نتعاطف معها ونعيد تأهيلها مرة اخرى وصياغة حياتها بطريقة تؤثر ايجابيا عليها وعلى المحيطين بها، لانها منذ البداية لم تكن نبت شيطاني فاسد، انما هي نتاج اسرة ومدرسة ومجتمع لم يقم بدوره على وجه صحيح ومتكامل.. من هنا الشعور بالمسؤولية مهم بدلا من القائها على شخص واحد، فالمجتمع الذي يوصم كل من يشذ من افراده ويعاملهم بطريقة فوقية، هو اشبه بجسد يفقد اعضاءه بالتدريج حتى يصبح كلاهما اشلاء مشوهة.
إرسال تعليق